سَفائِنْ ..
حاولت أن ترتشف التخفي المدّلل بالرغم من كل الإغراءات التي تخشاها، وكل العواطف القابعة على بساط الحقيقة.
حيرة مُحترقة ارتسمت بظلال داكن على جدار حاضرها وهي تحاول جاهدة أن تتفيَّأ فواصله برغبة مُرتعشة؛ لتهمس في صورة ماضيها ماكان أصلاً لحناً يتسيَّد التفرُّد وربما التمرد على تنهيدة الحياة ورائحة الحب الوليد. فظلمة قد اعترتها وهي تئن في وحدة الدرب اليابس الراكض نحو نشوة الهاوية.
حاولت أن تزحف باطمئنان؛ لتتخطى وعورة ذلك الصمت الجميل فقد تبعثرت خطواتها الجريئة في اتجاه ماتبقى لها من موسم الحصاد بعد أن كادت أن تقع نظراتها الموسمية المُستكينة على أرضية الفلق المباح.
كانت لاتملك شيئاً آخر غير أنوثتها المطلَّة على أوراق الخريف، شبه أزهار لازالت بهيجة منثورة على عشب من مياه مالحة تصدَّت لها أمواج عاتية؛ فاقتلعت جذورها الحانية وخلَّفت وراءها بذوراً قد تكون خجولة للنمو مرة أخرى.
لازالت كلماتها المنتحرة من داخل فُسيفساء حنجرتها تصر على أن تكون فوق هودج الجمال وبين ثنايا ماتحمله داخلها من رقةٍ ودلال.. كل ذلك بالتأكيد ينساب إليها بشكل عفوي ولا إرادي في صراع قد يكون مُرَّاً في تذوقه من خلال أروقة العمر بسنينها المختلفة وأيامها المتغيرة.
أهو الخوف على مافات ؟
أم أنه إعصار لإيقاف تجاعيد كل ماهو قادم؟
أهو الخوض في غمار ماهو مترقب من وحدة؟
أم أنه الزحف في تيه لما قد تفرزه انفعالات اللحظة من شهيق منكسر مضطرب، وزفير يلتمس الانحناء في الفضاء الفارع من جسد الهواء؟
تساؤلات جادة تنبع من مواقف مختلفة في محيطها إجابات بعضها قد يكون طويلاً في مرحلة صعبة غير متكافئة قد يملك الطرف الآخر فيها زمام المبادرة في الاستيلاء على كل شىء حتى على ماقد يكون متبقياً معها من عواطف. تحاول بشفافية الأنثى أن تجد متنفساً لها مغايراً لما قد تقع عليها نظراتها المُستكينة؛ فتركض بإستحياء نحو أشيائها الخاصة؛ لتتوحد مع روائحها الزكية، مع ذلك العبق الوفي، المتأصلة جذوره في إنسانيتها المرهفة الحس.
هي لاتستطيع أن تخفي ستار صمتها المندلق بحجر على شاطىء النسيان إذا وقفت بحرية أمام تلك المغرورة بمفاصل من زجاج فحينها فقط تستطيع أن تتلمس ما اعتراها من ذبول قد يكون جميلاً لطرفٍ تتمنى أن يكون هو وهي بكل ثبات تقف على مربع أوهام الأمل أو لنقل عند حافة الزاوية الضيقة الأفق التي ربما تنقلها باختيارها نحو سواحل الغدر وجزيرة الخداع.
أنعتبر ذلك أملاً لها؟
أم أوهاماً تتربص بها قد تخرجها من فلكية الشك إلى دائرة اليقين؟
أم أنه لايعدو أضغاث أحلامٍ استمدت تمددها الباهر من بلادة المسيرة وعناء الرحلة.
تناثرت بعض الشعيرات المثلجة المنسدلة من جدائلها المتعرجة؛ لتحاول أن توقظها من غفلتها التي لم تستمر طويلاً.
حاول أن يُقَبِّل عن بعد تلك المساقط المتخندقة على جبينها المضيء وأعطى العنان ليديه لاحتواء ذلك النور الشفيف السابح في بحر من الضوء والذي كان يتوسد شعرها.
إنها لحظة الأمل الدافىء الذي كانت تبحث عنه.. إنه الحنان الذي يطرز مراكن الحب، ويبدد ثرثرة العشب الدامع في خاصرة العمر.. إنها المودة المتوهجة مابين الروح والجسد.. إنها الرحمة التي لا غنى عنها لكل أفئدة البشر؛ لتكون غابة الوفاء شامخة خضراء متألقة تضيء كل الجفون الناعسة والعيون الجريئة التي تنام فيها العصافير الملونة بدون خوف في جوف السحر وفي منقارها بعضًا من حبات المطر، وبراعم الزهر، وأغصان الشجر إنها الحياة بردائها الأبيض القشيب حينما تسقى بلحن الأرض ونوح الظل وإيقاع البحر!!!
الكاتب / د - صلاح عبدالله العرابي .