الضَاغِنْ ..
د. صلاح عبدالله العرابي
لم يتعجب من حكايته بالرغم من أذى نبضها في كهوف الصمت السجين. تلك الكهوف التي ذابت فيها الأمنيات الربيعيه وعانقت براحتيها ماقد يتجلى من قيود الأنين فقد حمل معه سراب أفقه الباكي والضوء الشاحب حوله تجره سلاسل الغسق المتين. حاول أن يركض نحو دوائر الورد وفي يديه ذُعر النواح وماتبقى من أصدافِ وهم مبين . تُرى هل كل الجهات تحت خطوته تجر أقواسها لتطوي عنه صفحة الصبر الحزين؟ فقد أطرقت أطرافه تتضجر نحو صدى نايٍ بعيد لتغرب عن رائحة البرتقال تُصافح بعبقٍ ضائع قد احتضر على أزقة اللحظة فوق عمق الجراح وشؤم الصراخ حينما أبحر ومشاعره ليست بها أنفه لتعطي بإنصياع جيد مايرغب في سماعه من نغمات فقد تتدحرج تلك الموسيقى لتعزف على أبواق كل حدث مايلائمه ذلك الظرف وماقد يُطرب من يكون بذلك المكان. سفينة قد تلاطمها أمواج عاتية وقبطانها لا يجيد التصرف على موانيء بوصلته الزاهية الألوان وقد لاتكون وحيدة تلك الأيادي الثكلى الشقية التي تُحَبِّذ الإنكسار في الترجي للإستحواذ على أي شيء وفعل كل شيء للنيل من المآخذ وتكره وبعمق فيه بلادة التفكير إنتصار العطاء. فثراء النفس الأبية تشجيها تلك الموازنة التي تنبعث من أعماق المحور لتتصافى في توحدٍ رهيب بين الأيادي الحافية وتلك الحافلة لتشكل في نهاية الأمر ذلك النسيج الفريد لمشارف السعادة ليس فقط لتلك النفس الفطريه التي تحمل بين جنباتها معنىً للكرامة وبين خلجان مياهها الصافية النقية غرور المد الطبيعي وإنما أيضاً لكل من يتعامل معها من خلال مادية الحياة أو حتى من خلال الأرضية الصادقة بتجرد لأفكار الحوار أما إذا انحرفت تلك البراءة عن جادة الصواب أصبحت ليست فقط ذليلة على نفسها وإنما على كل من يتجمع في بؤرة محيطها حتى وإن حصد منهم على الهُتاف الحار فهو في أعينهم مجرد عازف أجوف على الطبول القديمة وراقص هزلي على الحبال كالقرود الطافحة الجسيمة... أهذا ماقد يسعى إليه الإنسان ؟ فإذا كان كذلك فلا بد وأن يركض طواعيةً بعيداً عن هذه الحلقة إلى دائرة من قد تجدهم في أعالي الجبال تجود عليهم تلك الفئة الطيبة بما تملك من ثمرات تجود عليهم وهي تتسائل في إغفاءة حالمة لاتقصد بها الأذى وبعيداً عن التثاؤب المقلق أيحتاجون للركض نحو إنخفاض هذه الحلقة؟ تُرى ماهي مسببات ذلك؟ وهل هنالك حاجة لهذه النغمات إذا ركضوا نحو سمو تلك الدائرة الأخرى التي تكون بالتأكيد أوتارها وأقطارها مستقيمة ومتوازية قد لايجدوا صوتاً سعيداً دافئاً يعيد إلى رؤاهم أهداب غابات المساء ونخيلها الشامخ نحو أعناق السماء في مجاهل إنثناءات أسئلتهم ربما لأن مخابىء ألوانهم القاتمة والجافة قد أحكمت طوقها على هذه الفئة من المفردات الأليمة ومهما يكن من أمر فإن كل من يحمل الأركان الحاقدة والعاطبة والخربة لمشاعر نفسه الصاغرة و الناخعة والفقيرة لايستطيع أن يتهجى أبجديات أحرفه في قاموس خنوعه لأنه ارتضى لنفسه أن تكون مداركها متأرجحة بين العزف على الطبال والرقص على الحبال أهذا ماقد يسعى إليه الإنسان أم أنه كالظل يموج في كل إتجاه حاملاً معه وجهٌ تفترش فيه الدماء لون الماء!!! شتاتُ ذات ٍ قد تُبصر في ذهولٍ صمت ألحان المساء!! وقد تراه ولايراها وهي ذابلةٌ في عمق جفني الإناء!! ذابلةٌ كشرفة عرسه بعد أن ضاق بها نبض الهواء.. بعد أن ضاق بها عبير العطاء ذلك العطاء الضائع بين أشداق الرجاء ومواويل البكاء من ليل الشقاء!!!