الحبّ في زمن الكورونا
بقلم : عبدالعزيز بن مطير العنزي
قبل خمسة وثلاثين عاماً ، وتحديداً في العام 1985 م ، نشر الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ، روايته الرائعة " الحب في زمن الكوليرا" والتي استحق عبرها أن يحوز على جائزة نوبل.
الرواية كانت حافلة بالمثيرات ولاسيما في أحداثها الأخيرة ، حيث يدعو بطل الرواية (فلورنتينو اريثا) حبيبته القديمة لرحلة نهرية على ظهر سفينة، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها في السبعين لم يعُد ملائماً للحب، ولكن هذا ما كان يمنع (فلورنتينو اريثا) من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي. و تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود فيما تضم عش الحبيبين اللذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهي الحب لذات الحب.
إلى هنا تنتهي رواية الحب في زمن الكوليرا التي وكأن الحاضر يتقمص ألواناً من سيناريوهاتها ، فالحديث عن الكوليرا ذلك الوباء الذي فتك بالكثير من البشر ، يتماثل اليوم مع هذا الوباء الذي أصبح حديث الساعة في كافة أصقاع العالم ؛ وهو وباء فايروس كورونا المستجد .
وإن استرجاع تفاصيل هذه الرواية التي تبدأ بالحب لتنتهي بالحب . يقودنا للحديث عن الحبّ ولكنه ليس ذلك الحب الذي رسمه الراوي في روايته ( الحب في زمن الكوليرا ) إنه حب من نوع آخر ومن مكان آخر .. حبّ صادق حقيقي .. حبّ يتفق مع فطرة الإنسان حينما يحب وطنه.
نعم إنه حبّ الوطن ، الوطن أرض الإنسان وذكرياته وتاريخه ومحضن أهله أسرته ومحبيه وأبناء وطنه ممن يتقاسم معهم الحياة و الذكريات والتاريخ والعادات الاجتماعية واللغة والثقافة الواحدة والمصير المشترك.
نحب نحن السعوديين وطننا ، نحب هذا الكيان العظيم الذي يحوي الحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض في مكة والمدينة، والذي على ثراه سار النبي المصطفى محمد بن عبدالله عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم. ومن هذه الأرض انبثقت الرسالة الإسلامية السامية ، التي حملت الحب والسلام لكل البشر ، لكل الأرض.
نحب هذا الوطن الكريم المعطاء بمقدراته بحضارته بتاريخه بمقوماته وبمنجزاته الحضارية.. بموقعه الفاعل ومكانته العالمية الريادية.
ونحب قادتنا وولاة أمرنا - حفظهم الله - الذين حرصوا منذ عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز ولايزالون يحرصون على توفير الراحة وسبل العيش الكريم للمواطنين والمقيمين على ثرى هذا الوطن الكريم. وما أزمة كورونا الحالية ألا واحدةً من الدلائل على سعي حكومتنا الرشيدة على الحفاظ على صحة الجميع ولم تألوا جهداً في اتخاذ كافة التدابير العلاجية والوقائية حرصاً على صحة الإنسان وسلامته.
ومن هذاه الإجراءات تعليق الدراسة و العمل في القطاعين العام والخاص، وإيقاف الرحلات الدولية والمحلية، والعديد من الإجراءات الهادفة لمواجهة هذا الوباء الدي يعمّ العالم بأسره، والتي هي غمّة وبإذن الله ستنزاح عمّا قريب ، فيما استنفرت الجهات الصحية والمختصة في المملكة العربية السعودية ، للعمل والقيام بمسؤولياتها وواجباتها وعلى مدار الساعة وبشكل يدعو للفخر والإعجاب بما يقوم به المواطن السعودي في الالتزام بالتوجيهات الواردة والتفاني في خدمة أبناء شعبه ووطنه.
ولأن الحديث عن الحب ذو شجون ولا يتوقف عن الحب، فإن ذلك يدعونا للتأمل في أن نحب ما أنعم الله تعالى به علينا من نعم كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى ، منها نعمة الأمن والآمان والعافية والصحة في الأبدان ، ونعمة الأهل والأبناء والعائلة والكثير من النعم التي لابد معها أن نشكر الخالق المنعم القدير خالق البشر والشجر والحجر .. خالق الكون ، المنعم المتفضل الكريم ، الله جلّ في علاه فهو الجدير بالحب وبالإجلال ، سبحانه ما أعظمه من خالق كريم لايرد من قصد بابه ، فنسألك يالله يامتفضل ياكريم، أن تحفظ بلادنا وأهلنا ومجتمعنا من كل سوء، وأن تغفر لنا ما بدر منا من زلل، وأن تمنّ بفضلك علينا بعفوك ومرضاتك وبالصحة والعافية، وأن ترفع هذا الوباء عن بلادك وعبادك.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.