**فكّر أولاً، ثمّ النصيحة**
الكاتبة / روان الحجوري
في واحد من مشاهد حياتك الطبيعية وأنت تُظهر قاصدًا أو غير قاصد مالذي تفعله ، تأتيك النصائح من كل زمان ومكان، تفكر في الأمر تنظر إلى الصورة مرة أخرى فإذ بها خالية من كل شيء عِداك، حسنًا أين الخطأ؟
في المرة التالية ازدادت تلك النصائح طولًا، اندرجت تحت الدين الذي عليك ألّا تشوبه، تجد هذه المرة سببًا في انثيال هذا الكمّ عليك من السطور الطويلة، إذ أنّ الدين حجّتهم،
لكنّك حين تتمعن فيما أظهرت ، تجد أنه لا قبيح في فعلك أو دناءة، لم ترفض النصيحة فورًا بل رجعت إلى نفسك التي هي في أصلها لم تقترف سوءًا، فضّلت أن تعطي حديثهم فرصة فربما عاد عليك بالنفع ، لكنّك لم تجد غير براءة تصرّفك ،
تعزم في المرة الثالثة أن تُرفق إيضاحًا يُصاحب ما تنشره، وحين فعلت ذلك حقّا لم تنجو بعد من سيل النصائح الفائضة بلا معنى،
في المرة الرابعة آن لهم أن يجردوك من دينك، أن يصفوك بالعصيان ونسيان طاعاتك، ثم لم يكتفوا بذلك ، لم يملّوا من إعادة وتكرار هذه الترهات عليك في كل مرة ودون أي مبرر ،
ذات النصيحة بذات الصياغة بذات المحدودية في الفكر، والأعتى من ذلك أنها ليست من النصح في شيء، بل هي ما ينهى عنه الدين القويم الذي زعموا أنهم يتمثلونه،
أفواه تتكلم لأنها تريد التكلّم فحسب، أفواه أخرى تكرر ما قالوه دون بذل القليل من الجهد في التفكير، هكذا فقط شعارات تنطلق واتهامات تكبر وأحكام تعكس دونية مُطلقيها،
يصل الحال إلى تحديد نواياك ومدى صلتك بالخالق، تأسى في داخلك لأن الأمر بات وكأنه طبيعي وهو في الأصل ليس كذلك، بل لا يحقّ لأحدٍ البتّة المِساس بكيفية صلتك بالله،
يأسى المرء حين تتجرّد النصيحة من مكانتها لِتصبح شيئًا مرفوضًا، حين تنقضّ الألسن دون إعمال العقل ولو قليلًا،
وأنا لا أدعو في حديثي هذا برفض ما يأتي إلينا من صدق وقيمة، إنما قصدتُّ بالتحديد "النصائح الفارغة" ويا لخجلي حين أكتبها "نصائح"
علينا أن نفكر بالأمر مليّا قبل أن نشرع في إسداء نصيحة، علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال: هل أنا أنصح هنا لأجل فائدة ما أو فقط لأن الفعل لم يروق لشخصي؟
لنهذب مبادئنا بحُسن التوجيه وصحّته قبل ذلك، لنُهدي نفعنا وليس أوامرنا، لنرى الدين فينا قبل أن نبحث عنه في أفعال غيرنا، أوليست الأخلاق غاية بُعث من أجلها خير رسول ؟