الكاتب : أ.د محمد بصنوي
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار العربي الذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية ومستدامة في قطاع غزة بموافقة 120 عضوا بينما رفضته 14 دولة، وهذه الموافقة تعبر عن الرأي العام العالمي الحقيقي الذي يقف مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي المشين على قطاع غزة.
ومن المثير للدهشة والتأمل والإشمئزاز، أن يصف سفير دولة الإحتلال الإسرائيلي هذا القرار بالمشين، ويتحدث بأن الأمم المتحدة التي تُمثل كافة دول العالم لا تتمتع بالشرعية، فدولة الإحتلال التي لا تمت للشرعية بأي صلة، تتحدث عن الشرعية، وتناست عدم شرعية بناء المستوطنات، وسرقة أراضي الفلسطينيين منذ 1948 وحتى الآن بصورة لا تتوقف، ناهيك عن مخطط الإستيلاء على منازل المقدسيين في القدس لتغيير ديمغرافية القدس لصالح اليهود، أي شرعية تتحدث عنها إسرائيل، وهي تٌمارس أبشع جرائم القتل والتنكيل بحق الشعب الفلسطيني، سارقي الأرض والقتلة والعصابات تتحدث عن الشرعية.
صحيح أن الولايات المتحدة والغرب لديهم انحياز واضح وكامل لدولة الإحتلال الإسرائيلي لأسباب متعددة، ولكن حديث الدول الغربية عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لهو أمر خارج إطار المنطق والعقل، فأي حق للإحتلال في الدفاع عن النفس، فالقانون الدولي والشرائع المختلفة تتحدث على حق الشعوب المحتلة في الدفاع عن النفس والمقاومة بما فيها المقاومة المسلحة ضد الإحتلال، وما فعله الشعب الفلسطيني لا يخرج عن هذا الإطار، فإذا أراد الإحتلال أن تتوقف المقاومة، فمن المعلوم بالضرورة أن عليه إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وهذا أضعف الإيمان.
إن الحرب على قطاع غزة كشفت زيف المبادئ الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان، وازدواجية المعايير، فالغرب الذي كان يُصدعنا عن حقوق الإنسان، ويقلب الدنيا رأسًا على عقب بسبب تعرض شخصا ما لأذى لسبب أو لآخر، يقف ساكنًا صامتا أمام الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يتجاوز تعداده 2.2 مليون نسمة، فعن أي حقوق إنسان تتحدثون، فإما أن الإنسان العربي في قطاع غزة، يختلف عن الإنسان الأوروبي، أو الإسرائيلي، وإما أنه حيوان بل في مرتبة أقل من الحيوانات، فهناك جمعيات غربية تدافع عن حقوق الحيوان، لم تتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء والتعايش وحقه في إقامة دولته مثل باقي شعوب العالم ، فعن أي تحضر وإنسانية تتحدثون.
ما يطرح الكثير من الأسئلة والتعجب، هو إرسال الولايات المتحدة حاملات الطائرات وآلاف الجنود من القوات الخاصة إلى المنطقة، ناهيك عن بريطانيا التي أرسلت عدة مدمرات إلى إسرائيل، لدعم جيش الإحتلال الذي يصل تعداده 187 ألف جنديًا نظاميًا و565 ألف جندي احتياطي، ويمتلك 1964 طائرة، بينها 689 مروحية، و3230 دبابة، و64 قطعة عسكرية في ترسانتها البحرية، كل هذا لماذا؟ لمحاربة حركة المقاومة حماس التي تتسلح ببعض الأسلحة البدائية المصنعة محليًا؟، أم هناك مخطط آخر لبلع المنطقة بالكامل، فهذا قد يكون الهدف الحقيقي لكل ما يحدث، فهناك العديد من المحاولات المسجلة في التاريخ لتقسيم الشرق الأوسط وتفتيت دوله، لكي تكون دولة الإحتلال موجودة وسط كيانات ضعيفة غير قادرة على المواجهة حاليًا أو مستقبلا، فمن المعتاد أن ما يظهر في مسرح الواقع وما يتداوله الإعلام، ما هو إلا تمثيل يُظهر عكس ما يحاك في الكواليس.
أسأل الله العظيم أن ينصر إخواننا المسلمين في فلسطين على اليهود الغاصبين، وهذه الدعوة أفضل من مليون مظاهرة في الشارع، ومن المفترض عدم اختلاف العرب في هذا الوقت، ولكن بعض العرب يريدون شيطنة المملكة، بسبب عدم وجود مظاهرات في الشارع، فالتظاهر وتكسير السيارات في الشارع لن يُحرر القدس، فهناك الملايين قاموا بالتظاهر في العديد من الدول، وقاموا بتكسير السيارات واشعال الحرائق ونشروا الفوضى في بلدانهم وعطلوا مصالح بلدانهم، فللأسف نعيش في زمن يُزايد فيه الناقص والتافه على المملكة، فرغبتهم في نشر الفوضى في المملكة أكثر من رغبتهم في تحرير فلسطين، ورغبتهم في اختلال الاقتصاد أكثر من رغبتهم في طرد اليهود من القدس، فبعض العرب لديهم مشكلة مع السعودية وليس مع الإحتلال الاسرائيلي.
ولكي يشهد التاريخ، فأكثر من ساند القضية الفلسطينية هي المملكة العربية، فالسعودية قدمت مليون دولار يوميًا لفلسطين منذ عام 2000 وحتى اليوم، وهناك 600 ألف فلسطيني في السعودية يعيشون حياة كريمة، وقامت بإنشاء 200 مشروع للتنمية في فلسطين، وقدمت280 مليون دولار لدعم صندوق القدس، و260 مليون دولار لترميم الأحياء السكنية و100 مليون دولار لدعم المستشفيات، و250 مليون دولار لدعم الجرحى، و365 مليون لدعم مشروع رفح السكني، و150 مليون لدعم التعليم، وقدمت المملكة 155 شهيد في حرب 1948.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإن المملكة لم تدخر جهدًا عن مساندة القضية الفلسطينية سواء على المستوى السياسي من خلال دعم الأشقاء في كافة المحافل الدولية أو على المستوى الإقتصادي من خلال تقديم الدعم المادي مثل ما ذكر سابقًا، ولكنها لا تقوم باتخاذ قرارات متهورة لإرضاء البعض، فأولو الأمر هم على دراية واسعة بالقرارات اللازمة في ظل المستجدات الطارئة على الساحة الإقليمية والدولية.
(اللهم آمنا في اوطاننا وانصرنا على اعدائك اعداء الملة والدين)